أو بالأحرى لماذا نكتب؟.. هذا السؤال
الذي نسأله لأنفسنا كثيرا لكننا لا نجد له
جوابا واضحا بل أجوبة متعددة تتغير بتغير الحال.. ولست أزعم أنني سأصل بكم إلى حقيقة
واحدة ثابتة لكنني سأكتب ما يتيسر لي في هذا الشأن بغير ترتيب أو تحضير مسبق.. فقط
لكي أكتب.
إذن، لماذا أكتب؟.. ليس هذا سؤال في
عمومه كالعنوان بل سؤال خاص بحالتي الآن.. لماذا أكتب ما أكتبه الآن.. دعني أرى
أولا من حيث مبدأ الكتابة فأنا أكتب بالدرجة الأولى لأنني قررت الاشتراك في هذه
الحوليات مع زملائي والتي تقتضي أن أكتب كل يوم شيء ولمدة عام.. ولماذا إذن قررت
الاشتراك في الحوليات؟.. قررت الاشتراك لأن لدي ملكة الكتابة غير أنني أهملتها
فأريد تطويعها وتحسينها والتقدم فيها.. ولكن لماذا تريد هذا؟.. أريد هذا ليتسنى لي
أن أكتب.. ولكن لماذا تكتب؟.. وهنا أكون قد وصلت من هذا السؤال المتعلق بحالي إلى
السؤال ذاته عنوان المقال المتعلق بالكتابة في ذاتها.
بشكل عام فإن الكاتب يمثل ما يمكن أن
نسميه محور المعالجة الفكرية والكتابة تمثل ما يمكن أن نسميه محور العرض الفكري،
حيث يستقي الكاتب خبراته الحياتية سواء من تعامله مع الناس أو ما يتعرض له من
مواقف أو ما يقرأه أو يسمعه أو يشاهده ثم يعالجه بناءا على منهجه الفكري وما سبق
وأن اختزن لديه من مقاييس اكتسبها أو اصطنعها لنفسه عن طريق المكتسبات ثم يطرح
نتيجة هذه المعالجة عن طريق الكتابة.. ففي هذا كله يكون الكاتب إنما يكتب لأجل
غيره أيا كان الغرض الذي وراء هذه الفائدة سواء كان غرضا تنويريا أو كان غرضه فرض
رؤية واحدة أو إخضاع أو تضليل غيره.. المهم أنه في النهاية يكتب لغيره وينبثق من
هذا تلك الأغراض الفرعية.. هذا كله فيما يخص الكتابة الفكرية بشتى أنواعها
وأغراضها، سياسية، دينية، فلسفية، اجتماعية، اقتصادية.. لن يخالفنا في هذا الرأي
أحد فيما أزعم.
أما فيما يخص الكتابة الإبداعية أو
لأكون أكثر تحديدا سأقول الكتابة الأدبية -لأن الإبداع غير محصور في الأدب ولكن
الأدب لابد أن كون إبداعا- فإننا سنجد ما
يتشابه في غرضه مع الكتابة الفكرية حيث يكون موجها للغير بقصد ما يشابه الكتبة
الفكرية تماما غير أنه اتخذ قالبا أدبيا وإبداعا مؤثرا لينغمس بالفكرة في الشعور
أكثر مما ينغمس في العقل وهذا النوع لا يشتمل فقط على الأغراض التي ذكرناها في
الكتابة الفكرية ولكنه يتعداها إلى أغراض قد تكون عاطفية.
بينما سنجد في ذات الوقت كتابة يمكن أن
نسميها ذاتية وهي تلك الكتابة التي تعبر عن ذات الكاتب والتي قد تكون عبارة عن
جوار مع النفس أو تعبير عن شعور محض لا فكر فيه، وهذه الكتابة يزعم أكثر أصحابها
أنهم إنما يكتبون لأنفسهم.. لكن الواقع أن الكتابة نوع من التعبير غير مختص بالنفس
يمكنك أن تتحدث إلى نفسك بغير صوت وأحيانا قليلا بصوت -وهذا يستغرب كثيرا- أما أن
تكتب لنفسك وفقط فهذا عجيب، لأن الكاتب لنفسه لن يحتاج بل لن يرغب في أن يقرأ أحد
ما يكتبه لأنه وبمجرد أن يعرض كلامه على غيره فهو ينتظر استحسان أو استكراه أو أيا
ما كان ينتظر وكونه ينتظر شيئا يجعل فرضية أن يكون قد كتب الكلام لنفسه فرضيه
عبثية.
أذكر أنني كنت أحيانا أسافر إلى الإسكندرية
لأجلس أمام البحر أحدثه أو أكتب ما أشعر به ثم ألقي بالورقة في البحر.. هذا ما
يمكن أن يسمى كتابة للنفس.. لكن أي كتابة نشرت أو عرضت على أحدهم أو احتواها كتاب
هي كتابة للغير أيا كان الغرض الفعلي وراء عرضها للغير.. ذكرني هذا بكلام ارتجلته
بالعامية أقول فيه..
"ومش بكتب عشان الناس
أنا بكتب عشان نفسي
لكن نفسي عشان الناس
فانا بكتب عشان الناس"
ولأجل هذا أكتب.. لأن ثمة ما أراه صوابا
وثمة ما تحصلت عليه وثمة ما اكتشفته في ثنايا كتاب وثمة ما أوحى إلي به مشهد في
فيلم وثمة ما استثارني في نقاش مع صديق أو حتى مع خصم وثمة ما أشعر به وأريد أن
يشاركني فيه غيري وثمة ما أشعر به وأدرك أن غيري شعر به لكنه عاجز عن التعبير
فكأنني عبرت عنه.. لهذا ولغير هذا كثير.. أكتب.